سورة النمل - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النمل)


        


{قَالَ يَا أَيُّهَا الملأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِى بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِى مُسْلِمِينَ} أراد أن يريها بذلك بعض ما خصه الله تعالى به من إجراء العجائب على يده مع إطلاعها على عظم قدرة الله تعالى وعلى ما يشهد لنبوة سليمان، أو أراد أن يأخذه قبل أن تسلم لعلمه أنها إذا أسلمت لم يحل له أخذ مالها وهذا بعيد عند أهل التحقيق، أو أراد أن يؤتى به فينكر ويغير ثم ينظر أتثبته أم تنكره اختباراً لعقلها {قَالَ عِفْرِيتٌ مّن الجن} وهو الخبيث المارد واسمه ذكوان {أَنَاْ ءاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ} مجلس حكمك وقضائك {وَإِنّى عَلَيْهِ} على حمله {لَقَوِىٌّ أَمِينٌ} آتي به كما هو لا آخذ منه شيئاً ولا أبدله. فقال سليمان عليه السلام: أريد أعجل من هذا.
{قَالَ الذى عِندَهُ عِلْمٌ مّنَ الكتاب} أي ملك بيده كتاب المقادير أرسله الله تعالى عند قول العفريت، أو جبريل عليه السلام، والكتاب على هذا اللوح المحفوظ، أو الخضر أو آصف بن برخيا كاتب سليمان وهو الأصح وعليه الجمهور، وكان عنده اسم الله الأعظم الذي إذا دعى به أجاب وهو: يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام أو يا إلهنا وإله كل شيء إلهاً واحداً لا إله إلا أنت. وقيل: كان له علم بمجاري الغيوب إلهاماً {أنا ءَاتيك به} بالعرش و{آتيك} في الموضعين يجوز أن يكون فعلاً أو اسم فاعل. ومعنى قوله {قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} أنك ترسل طرفك إلى شيء فقبل أن ترده أبصرت العرش بين يديك. ويروى أن آصف قال لسليمان عليه السلام: مد عينيك حتى ينتهي طرفك فمد عينيه فنظر نحو اليمن فدعا آصف فغار العرش في مكانه ثم نبع عند مجلس سليمان بقدرة الله تعالى قبل أن يرتد طرفه {فَلَمَّا رَءاهُ} أي العرش {مُسْتَقِرّاً عِندَهُ} ثابتاً لديه غير مضطرب {قَالَ هذا} أي حصول مرادي وهو حضور العرش في مدة ارتداد الطرف {مِن فَضْلِ رَبّى} عليّ وإحسانه إلي بلا استحقاق مني بل هو فضل خال من العوض صافٍ عن الغرض {ليبلونىِ ءَأشكر} ليمتحنني أأشكر إنعامه {أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} لأنه يحط به عنها عبء الواجب ويصونها عن سمة الكفران ويستجلب به المزيد وترتبط به النعمة، فالشكر قيد للنعمة الموجودة وصيد للنعمة المفقودة. وفي كلام بعضهم: إن كفران النعمة بوار وقلما أقشعت نافرة فرجعت في نصابها، فاستدع شاردها بالشكر، واستدم راهنها بكرم الجوار. واعلم أن سبوغ ستر الله تعالى متقلص عما قريب إذا أنت لم ترج لله وقاراً أي لم تشكر لله نعمة {وَمَن كَفَرَ} بترك الشكر على النعمة {فَإِنَّ رَبّى غَنِىٌّ} عن الشكر {كَرِيمٌ} بالإنعام على من يكفر نعمته، قال الواسطي: ما كان منا من الشكر فهو لنا، وما كان منه من النعمة فهو إلينا وله المنة والفضل علينا.


{قَالَ نَكّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا} غيروا أي اجعلوا مقدمه مؤخره وأعلاه أسفله {نَنظُرْ} بالجزم على الجواب {أَتَهْتَدِى} إلى معرفة عرشها أو للجواب الصواب إذا سئلت عنه {أَمْ تَكُونُ مِنَ الذين لاَ يَهْتَدُونَ فَلَمَّا جَاءتْ} بلقيس {قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ} (ها) للتنبيه والكاف للتشبيه و(ذا) اسم إشارة ولم يقل (أهذا عرشك) ولكن أمثل هذا عرشك لئلا يكون تلقيناً {قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ} فأجابت أحسن جواب فلم تقل (هو هو) و(لا ليس به) وذلك من رجاحة عقلها حيث لم تقطع في المحتمل للأمرين، أو لما شبهوا عليها بقولهم: {أهكذا عرشك} شبهت عليهم بقولها {كَأَنَّهُ هُوَ} مع أنها علمت أنه عرشها {وَأُوتِينَا العلم مِن قَبْلِهَا} من كلام بلقيس أي وأوتينا العلم بقدرة الله تعالى وبصحة نبوتك بالآيات المتقدمة من أمر الهدهد والرسل من قبل هذه المعجزة أي إحضار العرش أو من قبل هذه الحالة {وَكُنَّا مُسْلِمِينَ} منقادين لك مطيعين لأمرك، أو من كلام سليمان وملئه عطفوا على كلامها قولهم: وأوتينا العلم بالله وبقدرته وبصحة ما جاء من عنده قبل علمها، أو أوتينا العلم بإسلامها ومجيئها طائعة من قبل مجيئها وكنا مسلمين موحدين خاضعين.


{وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ الله} متصل بكلام سليمان أي وصدها عن العلم بما علمناه أو عن التقدم إلى الإسلام عبادة الشمس ونشؤها بين أظهر الكفرة. ثم بين نشأها بين الكفرة بقوله {إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كافرين} أو كلام مبتدأ أي قال الله تعالى وصدها قبل ذلك عما دخلت فيه ضلالها عن سواء السبيل، أو صدها الله، أو سليمان عما كانت تعبد بتقدير حذف الجار وإيصال الفعل.
{قِيلَ لَهَا ادخلى الصرح} أي القصر أو صحن الدار {فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً} ماء عظيماً {وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا} {سأقيها} بالهمزة: مكي. روي أن سليمان أمر قبل قدومها فبنى له على طريقها قصر من زجاج أبيض وأجرى من تحته الماء وألقى فيه السمك وغيره، ووضع سريره في صدره فجلس عليه وعكف عليه الطير والجن والإنس. وإنما فعل ذلك ليزيدها استعظاماً لأمره وتحقيقاً لنبوته. وقيل: إن الجن كرهوا أن يتزوجها فتفضي إليه بأسرارهم لأنها كانت بنت جنية. وقيل: خافوا أن يولد له منها ولد يجمع فطنة الجن والإنس فيخرجون من ملك سليمان إلى ملك هو أشد فقالوا له: إن في عقلها شيئاً وهي شعراء الساقين ورجلها كحافر الحمار، فاختبر عقلها بتنكير العرش، واتخذ الصرح ليعرف ساقها ورجلها فكشفت عنهما فإذا هي أحسن الناس ساقاً وقدماً إلا أنها شعراء فصرف بصره {قَالَ} لها {إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ} مملس مستو ومنه الأمرد {مّن قَوارِيرَ} من الزجاج. وأراد سليمان تزوجها فكره شعرها فعملت لها الشياطين النورة فأزالته فنكحها سليمان وأحبها وأقرها على ملكها وكان يزورها في الشهر مرة فيقيم عندها ثلاثة أيام وولدت له {قَالَتْ رَبّ إِنّى ظَلَمْتُ نَفْسِى} بعبادة الشمس {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سليمان لِلَّهِ رَبّ العالمين} قال المحققون: لا يحتمل أن يحتال سليمان لينظر إلى ساقيها وهي أجنبية فلا يصح القول بمثله.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9